أن العلاقة بين الآباء و الأبناء تكون بمحبةٍ وود واحترام وتفاهم ، وقد تكون متوترة ومتأزمة لعدم وجود رابط ود أوتفاهم أوحوار هادف يهدف إلى زيادة الصلة .
ولذلك فإن غياب الحوار البنّاء والفعّال بين الآباء والأبناء ، يجعل الابن لا يثق في والديه
ولا يبوح لهما بأسراره الخاصة ، بل أنه يفضل أن يأخذ معلوماته من الصحبة والإنترنت بدلاً من الوالدين البعيدين عنه بحنانهما ورعايتهما .
ومع ضخامة حجم هذه الظاهرة إلا أن كثيرًا من الآباء لم ينتبهوا إلى خطورتها ، معتقدين أنه ليس مطلوبا منهم أي شئ تجاه أبنائهم سوى توفير المسكن والملبس و الدش والإنترنت وألعاب التسلية والتي ربما تُشغل الفراغ لديهم ولكنها لا تُغني عن والديهم .
ولا يكون ذلك عدم حب الآباء لأبنائهم ، لا فهم ثمرة القلوب وقرة الأعين ، ولكن
ما ننبه إليه أن هذا الحب لايمكن أن يتحقق إلا بالتربية السليمة للأبناء التي تتطلب من
الآباء حمايتهم بالتحاور والتشاور معهم ، ومحاولة معرفة ما يجول بأفكارهم ومساعدتهم
في حل مشاكلهم الخاصة والتقرّب والتودد إليهم .
ولكن يا ترى !.. من المتسبب فى هذه الظاهرة .. الآباء أم الأبناء ؟ وما هي خطورة غياب الحوارالهادف بين الطرفين ؟
إنّ تربية الأبناء أشبه بإدارة العمليات الصعبة في فترات الحروب، تحتاج إلى الرجل المِكيث الصبور ، وإنّ كثيراً من الآباء والأمهات يقدمون على الإنجاب دون أهلية أو استعداد فهم لا يملكون الثقافة التربوية التي تمكنهم من تربية أبنائهم على الوجه المطلوب، ولا يملكون من الخصائص النفسية ما يساعدهم على تحمل أعباء التربية، وهي أعباء كبيرة جداً .
وقد يظنون أن واجبهم تجاه أبنائهم شبيه بواجب مُربي الماشية : حظيرة وعلف وماء ، ولا شيء بعد ذلك ! هؤلاء يقدمون للأمة جيلاً معوقاً ومشوهاً ذهنياً ونفسياً ، حيث أفادنا "حديث القصعة" أنّ مشكلة الأمة في آخر الزمان ليست مشكلة أعداد، وإنما مشكلة نوعية : " أنتم يومئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل " . (د.عبد الكريم بكار:مقالة:"آباء وآباء"،موقع د.عبد الكريم بكار على شبكة الانترنت)
فاسمحوا لنا أن نستعرض بعض الأساليب الخاطئة في التربية والتعامل مع الطفل حتى نتجنبها ونصحح مسارنا التربوي مع الأبناء.
-التربية بالشدة والصرامة:
من أنواع التربية الخاطئة والتي تهدم ولا تبني تلك التربية التي تبني علي العنف والشدة والتسلط حيث يعتبر علماء التربية والطب النفسي هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة ... فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك ، .. أما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها؛ ففي لحظة الانفعال يفقد المربي صوابه وينسى الحِلْم وسعة الصدر وينهال على الطفل معنفا وشاتما له بأقبح وأقسى الألفاظ ، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا قرن ذلك بالضرب ...
وهذا ما يحدث في حالة العقاب الانفعالي للطفل الذي يُفِقْدُ الطفل الشعور بالأمان والثقة بالنفس كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط ( خوف مؤقت ) ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلا. ( زهرة عاطفة زكريا:التربية الخاطئة وعواقبها،ص:45 بتصرف)
وقد يعلل الكبار قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة .. ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي فيكره الطفل الدراسة أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات أو يصاب بنوع من البلادة ، كما أنه سيمتص قسوة انفعالات عصبية الكبار فيختزنها ثم تبدأ آثارها تظهر عليه مستقبلاً من خلال أعراض ( العصاب ) الذي ينتج عن صراع انفعالي داخل الطفل ..
وقد يؤدي هذا الصراع إلى الكبت والتصرف المخل ( السيئ ) والعدوانية تجاه الآخرين أو انفجارات الغضب الحادة التي قد تحدث لأسباب ظاهرها تافه .
- التربية بالتدليل والتسامح الزائد:
على المربي أن يكون حكيماً في تربيته، ولا تدفعه العاطفة الفطرية لتدليل ولده أو التساهل في تربيته؛ لأن التربية بالتدليل والتسامح لا تقل خطرا عن التربية بالشدة والتسلط . فالتدليل الزائد يقلل فرصة حصول الطفل علي الخبرات اللازمة لمواجهة الحياة وتحمل المسئوليات واتخاذ القرارات الصائبة
ويظهر هذا التدليل الزائد في الخوف الشديد علي الطفل فلا يسمح للطفل أن يلعب مع أقرانه أو اللعب بأي شيء من أدوات البيت وهذه حماية زائدة تؤثر سلبيا علي شخصيه الطفل . ومنها عدم إعطاء الفرصة للطفل ليتخذ القرار .
والصحيح إعطائه الفرصة ليقوم ببعض الأعمال . مثل خلع الحذاء أو تركه يربط حذائه بنفسه وان لم يجيد ذلك ، أو تركه يلبس وحده ملابسه ،هذا كله له اثر في تنميه الثقة في نفس الطفل ،ويزيد خبراته فتنمو تلك الشخصية .أما التدليل إذا زاد فله خطره علي شخصيه الطفل.
(أحمد متولي: دليل المعلمين والآباء في تربية الطلاب والأبناء، ص:54بتصرف)
- عدم مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء:
قد يكون هناك تفاوت واختلاف في الملكات والقدرات بين الأطفال حتى وغن كانوا أشقاء، وفي هذه الحالة يلزم الآباء مراعاة هذه الفروق بينهم ومعاملة كل طفل بما يتناسب مع شخصيته وميوله وقدراته، يقول أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي في كتابه جامع بيان العلم وفضله :
" تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته ، كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته ، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة ". (ابن عبد البرّ:جامع بيان العلم وفضله)
- السماح للدخلاء بالاشتراك في التربية:
البعض من الآباء والأمهات لا يحكمون السيطرة على عملية التربية؛ فيتركون الثغرات التي تسمح بدخول عناصر وأشخاص آخرين يشاركونهم في تربية أبنائهم، مما يعرض الأبناء للكثير من التأثيرات الضارة والتي قد لا تنمحي بسهولة من ذاكرة الطفل بل وتؤثر على جوانب شخصيته المختلفة. مثال ذلك ترك الأبناء أمام الشاشات لتربيهم بدون رقابة أو توجيه؛ فيتربى الطفل علي المناهج الإعلامية السلبية، التي تفرز لنا طفل له توجه كبير نحو العدوان والعنف، أو السماح والترحيب بتدخل الأقارب والجيران أو حتى الخادمة في توجيه الطفل.
تقول الخبيرة التربوية (شيلي هيرولد):"ينتاب الأطفال الارتباك والحيرة حين يقوم على رعايتهم سلسلة من الأشخاص متضاربين في أسلوب تفكيرهم فلا يستوعب الأطفال بشكل واضح ماذا يفعلون ولا كيف يستجيبون للأمور ولا كيف يرضون شخصاً ناضجاً. وإن الاستقرار الناجم عن قيام شخص واحد بتقديم الرعاية للطفل يدعم الثقة والأمان والتناغم والحب. (محمد سعيد مرسي:حتى لا نشتكي،ص:46 نقلاً عن:الأسرار السبعة للتربية المثالية:شيلي هيرولد)
لذلك يجب أن يبقى زمام التربية بيد الوالدين فقط لأنهما المسئولين عن ولدهما أمام الله تعالى،قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله سائل كل راعٍ عمّا استرعاه حفظ أم ضيّع ؟"
- التذبذب في أسلوب التعامل مع الطفل:
فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه ، لذلك على الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها للطفل ، ثم يكون هناك ثبات في إلزام الأبناء بتلك القواعد فلا ينبغي أن نتساهل يوما في تطبيق قانون ما ونتجاهله، ثم نعود في اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون بل ونعاقب الطفل المخالف له..!
فهذا التذبذب قد يسبب الإرباك للطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض وفي بعض الحالات تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات بينما يكون الأب عكس ذلك ، وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد يدفعه لارتكاب الخطأ .
- عدم العدل بين الأبناء :
يتعامل الكبار أحيانا مع الأبناء بدون عدل فيفضلون طفلا على طفل ، لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري، أو لأنه ذكر، مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه اخوته، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :"اتقوا الله واعدلوا في أولادكم". (مقالة أخطاء في التربية: مجلة الأسرة/عدد:101)
وأخيراً عزيزي المربي..
إنّ تربية الأبناء الحقيقية هي تربية ذلك الكائن المكرم ليكون عبدا لله فيفوز مع الفائزين ويدخل الجنة ويكون سببا لدخول والداه الجنة أيضاً، ثم إعداد الابن ليصنع المستقبل الواعد بيده لنفسه ولأمته..إن شاء الله تعالى .
تواصل الاجيال سنة الحياة عبر السنوات حيث يتوارث الأبناء طباع الآباء ليورثوها مرة اخري للاحفاد وتظل الحياة علي هذا المنوال الي ان تقوم الساعة ، وبالرغم من هذا يتناسي الآباء انهم كانوا في يوم من الايام اطفالا يتذمرون من اوامر آبائهم ويجدون اجحافا بحقوقهم وتقليلا من شأنهم ، ومع ذلك تتواصل الاجيال بنفس الطبائع ، لأن معظم الابناء ايضا يغيب عن اذهانهم انهم سيقفون يوما من الايام امام اولادهم يفرضون عليهم ما يرونه انسب لهم في كل شيء ويحددون لهم الخطأ قبل الصواب ويقسون عليهم احيانا. من هنا تحدث الفجوة بين الآباء والأبناء قد تتسع وقد تضيق باختلاف طبائعهم وأفكارهم ومستوي تعليمهم وثقافتهم كما تتحكم فيهم العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع. ورغم أن لكل عصر من العصور خصائصه التي تميزه عن غيره نجد ان كل شخص يري ان العصر الذي يعيشه اكثر حساسية من غيره ونحن الآن نري أن عصرنا كذلك يتمتع بخصوصية فريدة ساعدت علي تباعد الفجوة بين الجيلين بسبب التطور السريع الذي نعيشه وما نشهده من تقدم تكنولوجي عال جدا مما حول العالم الي "قرية واحدة". وتؤكد بعض الدراسات الاجتماعية أن الفجوة العمرية اكثر الفجوات التي تؤثر في العلاقة بين الآباء والابناء بقدر ما يتسع ويبتعد الزمن الذي عاش فيها الاباء عن زمن الابناء كلما زادت هذه الفجوة واتسعت حيث لكل زمان عاداته وتقاليده وافكاره والتي تختلف كليا وجزئيا عن اي زمان اخر وبالتالي تضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي واللغوي. وتشير هذه الدراسات الي أن الاختلاف الكبير في الاعمار بين الاباء والابناء ادي الي تباعد التقارب في الثقافات والعادات والتقاليد والافكار ، بسبب مدخلات العصر الحديث بين الجيلين مما ساعد علي بروز اكبر لمشكلة الفجوة بينهم.
الفجوة الفكرية
لكل عصر طريقة تفكيره وقناعاته واسلوب دراسته ومعلوماته المتوافرة التي تميزه عن غيره من العصور مما يساعد علي خلق حالة فكرية معينة لدي ابناء الجيل الواحد تختلف عن نظيراتها في الاجيال الاخري. ومع تغير انماط الحياة بشكل دائم وتبدلها ودخول افكار جديدة وخروج اخري قديمة تتغير العادات والتقاليد بشكل مستمر ، ربما لا يلحظه الشخص خلال حياته الا ان هذا الاختلاف يظهر بشكل واضح في اختلاف العادات والتقاليد بين جيل الاباء والابناء. ومن بين الانماط التي تتغير داخل الحياة اليومية للافراد ، هو اسلوب العيش واساليب الاستيقاظ والسهر واهمية العلم ولقاء الاصدقاء ومشاهدة التلفاز ، ثم متابعة الانترنت الذي اصبح يسيطر علي النمط الحياتي اليومي لهذا الجيل في الوقت الذي يجهل فيه الاجداد وبعض الاباء كيفية التعامل مع الاجهزة الالكترونية الحديثة والتقدم التكنولوجي المستمر بينما نجد الابناء يجيدون التعامل مع هذه الاجهزة بسهولة ويسر.
الأخلاق طريق التقارب
بعض خبراء التربية يحددون المشكلة الرئيسية التي تخلق الفجوات بين الآباء والأبناء في قضية التربية ، لأن من اكبر المهام التي تقع علي عاتق الاباء هي التربية الدينية والخلقية والسلوكية والثقافية والاجتماعية حتي يستطيع الابناء ان يتقربوا من آبائهم وتضيق الفجوة بينهم. ومن هنا باتت العملية التربوية في ظل الفجوة الموجودة دائما بين جيل الاباء وجيل الابناء تفتقر الي مقومات النجاح والأسباب عديدة لذلك منها: المستجدات المعاصرة ، حيث اصبح جيل الشباب يواجه بحرا متلاطما من الافكار والرغبات والتحديات التي تفرض عليه الانغماس فيها وهذا ما يسبب له ضغطا نفسيا كبيرا ويستلزم جهودا في التربية والتوعية والمزيد من التفهم لمعاناتهم اليومية لهذه التحديات. وهناك ايضا غياب ثقافة الحوار الهادئ مما زاد من اتساع الفجوة بين الاباء والمربين من جهة وبين الشباب من جهة اخري بالاضافة الي اسلوب النقد المباشر والمهين الذي يستخدمه الآباء مع الأبناء لا يولد الا العناد والتمادي في الخطأ ،خاصة اذا كان بصورة تحقيرية او استفزازية ولذا يجب ان يعتمد علي اسلوب التوجيه الهادئ لإيجاد جو من التفاهم المتبادل. وتحذر كثير من الدراسات الاجتماعية من اتساع الفجوة بين الاجيال لانها تؤدي الي جمود العواطف بين الاباء والابناء وعدم المبالاة وانعدام الثقة والشعور المتزايد لدي الابناء ، فان الاباء فقدوا اسلوب التربية الصحيح مما يؤدي الي التفكك الاسري وغياب الاحترام والتقدير واليأس من تربية الابناء وانعدام القدوة.
ولا يبوح لهما بأسراره الخاصة ، بل أنه يفضل أن يأخذ معلوماته من الصحبة والإنترنت بدلاً من الوالدين البعيدين عنه بحنانهما ورعايتهما .
ومع ضخامة حجم هذه الظاهرة إلا أن كثيرًا من الآباء لم ينتبهوا إلى خطورتها ، معتقدين أنه ليس مطلوبا منهم أي شئ تجاه أبنائهم سوى توفير المسكن والملبس و الدش والإنترنت وألعاب التسلية والتي ربما تُشغل الفراغ لديهم ولكنها لا تُغني عن والديهم .
ولا يكون ذلك عدم حب الآباء لأبنائهم ، لا فهم ثمرة القلوب وقرة الأعين ، ولكن
ما ننبه إليه أن هذا الحب لايمكن أن يتحقق إلا بالتربية السليمة للأبناء التي تتطلب من
الآباء حمايتهم بالتحاور والتشاور معهم ، ومحاولة معرفة ما يجول بأفكارهم ومساعدتهم
في حل مشاكلهم الخاصة والتقرّب والتودد إليهم .
ولكن يا ترى !.. من المتسبب فى هذه الظاهرة .. الآباء أم الأبناء ؟ وما هي خطورة غياب الحوارالهادف بين الطرفين ؟
إنّ تربية الأبناء أشبه بإدارة العمليات الصعبة في فترات الحروب، تحتاج إلى الرجل المِكيث الصبور ، وإنّ كثيراً من الآباء والأمهات يقدمون على الإنجاب دون أهلية أو استعداد فهم لا يملكون الثقافة التربوية التي تمكنهم من تربية أبنائهم على الوجه المطلوب، ولا يملكون من الخصائص النفسية ما يساعدهم على تحمل أعباء التربية، وهي أعباء كبيرة جداً .
وقد يظنون أن واجبهم تجاه أبنائهم شبيه بواجب مُربي الماشية : حظيرة وعلف وماء ، ولا شيء بعد ذلك ! هؤلاء يقدمون للأمة جيلاً معوقاً ومشوهاً ذهنياً ونفسياً ، حيث أفادنا "حديث القصعة" أنّ مشكلة الأمة في آخر الزمان ليست مشكلة أعداد، وإنما مشكلة نوعية : " أنتم يومئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل " . (د.عبد الكريم بكار:مقالة:"آباء وآباء"،موقع د.عبد الكريم بكار على شبكة الانترنت)
فاسمحوا لنا أن نستعرض بعض الأساليب الخاطئة في التربية والتعامل مع الطفل حتى نتجنبها ونصحح مسارنا التربوي مع الأبناء.
-التربية بالشدة والصرامة:
من أنواع التربية الخاطئة والتي تهدم ولا تبني تلك التربية التي تبني علي العنف والشدة والتسلط حيث يعتبر علماء التربية والطب النفسي هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة ... فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك ، .. أما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها؛ ففي لحظة الانفعال يفقد المربي صوابه وينسى الحِلْم وسعة الصدر وينهال على الطفل معنفا وشاتما له بأقبح وأقسى الألفاظ ، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا قرن ذلك بالضرب ...
وهذا ما يحدث في حالة العقاب الانفعالي للطفل الذي يُفِقْدُ الطفل الشعور بالأمان والثقة بالنفس كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط ( خوف مؤقت ) ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلا. ( زهرة عاطفة زكريا:التربية الخاطئة وعواقبها،ص:45 بتصرف)
وقد يعلل الكبار قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة .. ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي فيكره الطفل الدراسة أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات أو يصاب بنوع من البلادة ، كما أنه سيمتص قسوة انفعالات عصبية الكبار فيختزنها ثم تبدأ آثارها تظهر عليه مستقبلاً من خلال أعراض ( العصاب ) الذي ينتج عن صراع انفعالي داخل الطفل ..
وقد يؤدي هذا الصراع إلى الكبت والتصرف المخل ( السيئ ) والعدوانية تجاه الآخرين أو انفجارات الغضب الحادة التي قد تحدث لأسباب ظاهرها تافه .
- التربية بالتدليل والتسامح الزائد:
على المربي أن يكون حكيماً في تربيته، ولا تدفعه العاطفة الفطرية لتدليل ولده أو التساهل في تربيته؛ لأن التربية بالتدليل والتسامح لا تقل خطرا عن التربية بالشدة والتسلط . فالتدليل الزائد يقلل فرصة حصول الطفل علي الخبرات اللازمة لمواجهة الحياة وتحمل المسئوليات واتخاذ القرارات الصائبة
ويظهر هذا التدليل الزائد في الخوف الشديد علي الطفل فلا يسمح للطفل أن يلعب مع أقرانه أو اللعب بأي شيء من أدوات البيت وهذه حماية زائدة تؤثر سلبيا علي شخصيه الطفل . ومنها عدم إعطاء الفرصة للطفل ليتخذ القرار .
والصحيح إعطائه الفرصة ليقوم ببعض الأعمال . مثل خلع الحذاء أو تركه يربط حذائه بنفسه وان لم يجيد ذلك ، أو تركه يلبس وحده ملابسه ،هذا كله له اثر في تنميه الثقة في نفس الطفل ،ويزيد خبراته فتنمو تلك الشخصية .أما التدليل إذا زاد فله خطره علي شخصيه الطفل.
(أحمد متولي: دليل المعلمين والآباء في تربية الطلاب والأبناء، ص:54بتصرف)
- عدم مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء:
قد يكون هناك تفاوت واختلاف في الملكات والقدرات بين الأطفال حتى وغن كانوا أشقاء، وفي هذه الحالة يلزم الآباء مراعاة هذه الفروق بينهم ومعاملة كل طفل بما يتناسب مع شخصيته وميوله وقدراته، يقول أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي في كتابه جامع بيان العلم وفضله :
" تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته ، كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته ، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة ". (ابن عبد البرّ:جامع بيان العلم وفضله)
- السماح للدخلاء بالاشتراك في التربية:
البعض من الآباء والأمهات لا يحكمون السيطرة على عملية التربية؛ فيتركون الثغرات التي تسمح بدخول عناصر وأشخاص آخرين يشاركونهم في تربية أبنائهم، مما يعرض الأبناء للكثير من التأثيرات الضارة والتي قد لا تنمحي بسهولة من ذاكرة الطفل بل وتؤثر على جوانب شخصيته المختلفة. مثال ذلك ترك الأبناء أمام الشاشات لتربيهم بدون رقابة أو توجيه؛ فيتربى الطفل علي المناهج الإعلامية السلبية، التي تفرز لنا طفل له توجه كبير نحو العدوان والعنف، أو السماح والترحيب بتدخل الأقارب والجيران أو حتى الخادمة في توجيه الطفل.
تقول الخبيرة التربوية (شيلي هيرولد):"ينتاب الأطفال الارتباك والحيرة حين يقوم على رعايتهم سلسلة من الأشخاص متضاربين في أسلوب تفكيرهم فلا يستوعب الأطفال بشكل واضح ماذا يفعلون ولا كيف يستجيبون للأمور ولا كيف يرضون شخصاً ناضجاً. وإن الاستقرار الناجم عن قيام شخص واحد بتقديم الرعاية للطفل يدعم الثقة والأمان والتناغم والحب. (محمد سعيد مرسي:حتى لا نشتكي،ص:46 نقلاً عن:الأسرار السبعة للتربية المثالية:شيلي هيرولد)
لذلك يجب أن يبقى زمام التربية بيد الوالدين فقط لأنهما المسئولين عن ولدهما أمام الله تعالى،قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله سائل كل راعٍ عمّا استرعاه حفظ أم ضيّع ؟"
- التذبذب في أسلوب التعامل مع الطفل:
فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه ، لذلك على الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها للطفل ، ثم يكون هناك ثبات في إلزام الأبناء بتلك القواعد فلا ينبغي أن نتساهل يوما في تطبيق قانون ما ونتجاهله، ثم نعود في اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون بل ونعاقب الطفل المخالف له..!
فهذا التذبذب قد يسبب الإرباك للطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض وفي بعض الحالات تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات بينما يكون الأب عكس ذلك ، وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد يدفعه لارتكاب الخطأ .
- عدم العدل بين الأبناء :
يتعامل الكبار أحيانا مع الأبناء بدون عدل فيفضلون طفلا على طفل ، لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري، أو لأنه ذكر، مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه اخوته، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال :"اتقوا الله واعدلوا في أولادكم". (مقالة أخطاء في التربية: مجلة الأسرة/عدد:101)
وأخيراً عزيزي المربي..
إنّ تربية الأبناء الحقيقية هي تربية ذلك الكائن المكرم ليكون عبدا لله فيفوز مع الفائزين ويدخل الجنة ويكون سببا لدخول والداه الجنة أيضاً، ثم إعداد الابن ليصنع المستقبل الواعد بيده لنفسه ولأمته..إن شاء الله تعالى .
تواصل الاجيال سنة الحياة عبر السنوات حيث يتوارث الأبناء طباع الآباء ليورثوها مرة اخري للاحفاد وتظل الحياة علي هذا المنوال الي ان تقوم الساعة ، وبالرغم من هذا يتناسي الآباء انهم كانوا في يوم من الايام اطفالا يتذمرون من اوامر آبائهم ويجدون اجحافا بحقوقهم وتقليلا من شأنهم ، ومع ذلك تتواصل الاجيال بنفس الطبائع ، لأن معظم الابناء ايضا يغيب عن اذهانهم انهم سيقفون يوما من الايام امام اولادهم يفرضون عليهم ما يرونه انسب لهم في كل شيء ويحددون لهم الخطأ قبل الصواب ويقسون عليهم احيانا. من هنا تحدث الفجوة بين الآباء والأبناء قد تتسع وقد تضيق باختلاف طبائعهم وأفكارهم ومستوي تعليمهم وثقافتهم كما تتحكم فيهم العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع. ورغم أن لكل عصر من العصور خصائصه التي تميزه عن غيره نجد ان كل شخص يري ان العصر الذي يعيشه اكثر حساسية من غيره ونحن الآن نري أن عصرنا كذلك يتمتع بخصوصية فريدة ساعدت علي تباعد الفجوة بين الجيلين بسبب التطور السريع الذي نعيشه وما نشهده من تقدم تكنولوجي عال جدا مما حول العالم الي "قرية واحدة". وتؤكد بعض الدراسات الاجتماعية أن الفجوة العمرية اكثر الفجوات التي تؤثر في العلاقة بين الآباء والابناء بقدر ما يتسع ويبتعد الزمن الذي عاش فيها الاباء عن زمن الابناء كلما زادت هذه الفجوة واتسعت حيث لكل زمان عاداته وتقاليده وافكاره والتي تختلف كليا وجزئيا عن اي زمان اخر وبالتالي تضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي واللغوي. وتشير هذه الدراسات الي أن الاختلاف الكبير في الاعمار بين الاباء والابناء ادي الي تباعد التقارب في الثقافات والعادات والتقاليد والافكار ، بسبب مدخلات العصر الحديث بين الجيلين مما ساعد علي بروز اكبر لمشكلة الفجوة بينهم.
الفجوة الفكرية
لكل عصر طريقة تفكيره وقناعاته واسلوب دراسته ومعلوماته المتوافرة التي تميزه عن غيره من العصور مما يساعد علي خلق حالة فكرية معينة لدي ابناء الجيل الواحد تختلف عن نظيراتها في الاجيال الاخري. ومع تغير انماط الحياة بشكل دائم وتبدلها ودخول افكار جديدة وخروج اخري قديمة تتغير العادات والتقاليد بشكل مستمر ، ربما لا يلحظه الشخص خلال حياته الا ان هذا الاختلاف يظهر بشكل واضح في اختلاف العادات والتقاليد بين جيل الاباء والابناء. ومن بين الانماط التي تتغير داخل الحياة اليومية للافراد ، هو اسلوب العيش واساليب الاستيقاظ والسهر واهمية العلم ولقاء الاصدقاء ومشاهدة التلفاز ، ثم متابعة الانترنت الذي اصبح يسيطر علي النمط الحياتي اليومي لهذا الجيل في الوقت الذي يجهل فيه الاجداد وبعض الاباء كيفية التعامل مع الاجهزة الالكترونية الحديثة والتقدم التكنولوجي المستمر بينما نجد الابناء يجيدون التعامل مع هذه الاجهزة بسهولة ويسر.
الأخلاق طريق التقارب
بعض خبراء التربية يحددون المشكلة الرئيسية التي تخلق الفجوات بين الآباء والأبناء في قضية التربية ، لأن من اكبر المهام التي تقع علي عاتق الاباء هي التربية الدينية والخلقية والسلوكية والثقافية والاجتماعية حتي يستطيع الابناء ان يتقربوا من آبائهم وتضيق الفجوة بينهم. ومن هنا باتت العملية التربوية في ظل الفجوة الموجودة دائما بين جيل الاباء وجيل الابناء تفتقر الي مقومات النجاح والأسباب عديدة لذلك منها: المستجدات المعاصرة ، حيث اصبح جيل الشباب يواجه بحرا متلاطما من الافكار والرغبات والتحديات التي تفرض عليه الانغماس فيها وهذا ما يسبب له ضغطا نفسيا كبيرا ويستلزم جهودا في التربية والتوعية والمزيد من التفهم لمعاناتهم اليومية لهذه التحديات. وهناك ايضا غياب ثقافة الحوار الهادئ مما زاد من اتساع الفجوة بين الاباء والمربين من جهة وبين الشباب من جهة اخري بالاضافة الي اسلوب النقد المباشر والمهين الذي يستخدمه الآباء مع الأبناء لا يولد الا العناد والتمادي في الخطأ ،خاصة اذا كان بصورة تحقيرية او استفزازية ولذا يجب ان يعتمد علي اسلوب التوجيه الهادئ لإيجاد جو من التفاهم المتبادل. وتحذر كثير من الدراسات الاجتماعية من اتساع الفجوة بين الاجيال لانها تؤدي الي جمود العواطف بين الاباء والابناء وعدم المبالاة وانعدام الثقة والشعور المتزايد لدي الابناء ، فان الاباء فقدوا اسلوب التربية الصحيح مما يؤدي الي التفكك الاسري وغياب الاحترام والتقدير واليأس من تربية الابناء وانعدام القدوة.